” عيد بأى حال عدت ياعيد “
قصة قصيدة وشاعر
كتب هشام صلاح
دائما ما نسمع مع مطلع أى من العيدين ” فطر أو أضحى ” من يردد على مسامعنا أبيات يعرف بعضنا شاعرها ومناسبتها وتغيب عن كثيرين معرفتها وتلك الدرة الطيبية لحكيم الشعراء أبى الطيب المتنبى والتى قال فى مقدمتها
“عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ”..
اما عن شاعرنا فهو أبو الطيب المتنبي وعبر مقالنا نقدم للقارىء العزيز مناسبة كتابة حكيم الشعر لها. – فما قصة ” عيد الشاعر ” من خلال قصيدته الشهيرة؟
كان شاعرنا الكوفى المولد ببلدة (كندة) عام ٣٠٣ هـ ميالاً إلى مصاحبة ومجالسة الملوك والأمراء، فصار ضيفا دائما أينما حل ونزل عليهم ؛ مستخدما سلاحه البتار براعته في الشعر، حتى غدا شِعره تصريح ولوج أبواب الملوك ووساطته لدىهم ، فياسعد من أجزل له العطاء فرضى عنه فمدحه ليرتفع منزلةً، ويا سوء حظ من بخل عليه فهجاه بأمر الصفات
غير أن طمع شاعرنا تعدى المال ومجالسة الملوك، فتحولت مطامعه ومطامحه إلى الرغبة فى السلطة والجاه من من خلال تطلعه للولاية والإمارة غير أنه لم يحصل على مراده فآثر العيش متنقلاً من ملك إلى ملك ومن قصر لآخر غير أن لم ينل غيرالعطايا والهدايا مكافأة له على شعره ومديحه
وكان ذلك من أهم أسباب القطيعة والجفوة بينه وبين بسيف الدولة الحمداني الذي كان يحكم جزءاً من الشام، فبرغم كم القصائد والمديح الهائل الذى اسبغه على “الحمداني” إلا أنه لم ينل مبتغاه فاضطر لمغادرة الشام والارتحال إلى مصر التى كان يحكمها كافورالإخشيدى الذى يعد واحداً من أكثر الحكام ذكاءا ودهاءً. ، حيث بدأ المتنبى معه علاقة جيدة فتتابعت قصائد المدح التي أمطر بها الإخشيدى إلا أن حظه العاثر جاءته الرياح بما لايشتهى فانتهت العلاقة على عكس المتوقع، فقد قابل الإخشيدى طالبه للسلطة والجاه بالتجاهل فلم يستجب لمطالبه .ولم ينل غير العطايا العينية، فبدأ الجفاء بينهما، فكان هجاؤه له بقصيدته “بأية حال عدت يا عيد”. ونظمها من ثلاثين بيتاً قبل رحيله عن مصر بيوم واحد، وذلك يوم عرفة عام 350هـ، قُبيل عيد الأضحى المبارك، تعبيراً عن حزنه، وانتظاره أن يحمل له العيد أخباراً سارة، ولقاء الأحبة بعد فراق وتحمل الأبيات هجاءً لحاكم مصر كافور الإخشيدي، بعدما لم يجد لديه مبتغاه في الوصول إلى السلطة والجاه عنده فجاءت القصيدة من خلال محورين :
الأول :
خصص الأبيات العشرة الأولى لوصف نفسه التي امتلأت بالهموم والأحزان والكآبة. بدأها يسأل العيد متجاهلاً بماذا عاد عليه: هل بالهموم والأحزان التي تعود عليها منذ تواجده في مصر أم بشيء آخر جديد يغير حالته السيئة التي يعيشها؟ ثم يذكر سبب حزنه أنه بعيد عن أحبائه بيني وبينهم صحراء طويلة
أما الثانى :
فهجاء شديد لكافور الإخشيدى حيث وصفه بأقذع الألفاظ
كتب يقول :
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ — بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ — فَلَيتَ دونَكَ بيدًا دونَها بيدُ
لَولا العُلا لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها — وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ
وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً — أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ
لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي — شَيئًا تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما — أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ
أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُنيَ — ذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ
إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً — وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ
ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُا — أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ
أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِنًا وَيَدًا — أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ