مقالة لزهر دخان
كيف سوف تسدد الدول العربية ديونها؟ هذا عنوان فرعي من مقال للكاتب والمحلل السياسي ألكسندر نازاروف . الذي يبدأ تسائلاته المحيرة بالليرة الحيرة . ويتبادر إلى ذهنه لبنان الذي يراه الورقة الأولى من إفلاس الدول العربية. التي لا تحسد على أزماتها على الرغم من أن كل العالم يعيش في وضع يائس ولا يُحسد عليه .
ويرى الكاتب أن الدول العربية حالها في عالم اليوم أصعب من حال عالم اليوم وربما الغد . وهذا بالطبع سابق عهدها فمالذي يرمي إليه ألكسندر نازاروف .
الكاتب قادنا مجددا إلى الإطلاع على الوضع العربي الأصعب والأكثر هشاشة بصفة عربية عامة. ويوضح المقال الحالة النفطية الدولية في شبه الجزيرة العربية والعالم في وضعها الراهن . ويرى أن الأمور اللاوردية تعرف في عالم اليوم بدون البحث عنها .أو التعمق في التحقيق تفهما لها وإستنباطاً لدروسها ومعطيات حاضرها . وعلى سبيل المثال لك أن تتخيل حجم مشاكل دول تنموديونها بسرعة والسبب هو إنهيار أسعار النفط .
ما الذي يحدث في الإقتصاد العالمي؟ إنه العنوان الفرعي الثاني في مقالة ألكسندر نازروف . التي نشرت في مواقع عدة منها روسيا اليوم العربية . الكاتب يجدد التسائل المتعلق بالإقتصاد الرأسمالي . الذي يمر بمراحل متعاقبة دورية .والسبب هنا هو “الإفراط في إنتاج السلع وجمع الأموال ثم الأزمة وإفلاس الأفراد والشركات والتخلص من جزء من الإنتاج ورأس المال.” ويضرب الكاتب لكلامه مثلاً بما حدث يوم “كان الكساد الكبير عام 1929 هو مثال نموذجي على الأزمة الدورية في فرط الإنتاج.”
ويعود ألكسندر نازاروف بألته الحاسبة بسرعة من حقبة العشرينيات إلى سنوات السبعينيات . ويبدأ حسبة أزمة عالم الأن إنطلاقاً من سنة 1971 م . فيقول (الآن يمر العالم بأزمة مماثلة لكنها مختلفة قليلا، فبعدما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، حصل الاحتياطي الفدرالي حينئذ على إمكانية طباعة دولارات غير مغطاة بكميات غير محدودة وتحفيز الاستهلاك باستخدام الائتمان. بالتالي ارتفع الإنتاج، ومعه أيضا نما هرم الديون، الذي وصل اليوم إلى مستويات لم يشهدها تاريخ البشرية من قبل.)
وسعى نازاروف إلى الوصول إلى ما يشرح به لمن يهمه الأمر . ما دار في رأسه من خطأ . وعندما حسبته مخاوفه المتنامية تنامي الجوع في عالم يغطي إنتاجه حاجته ويزيد . وإكتشف أن الأغنياء يساعدون الفقراء بقروض . تكون في مثابت سياسة توديع ضد الشعوب والمؤسسات التي لا يمكنها تسديد ديونها .
وبالتالي ومن الناحية الحسابية عندما لا يستطيع الفقراء دفع فواتير قروضهم . يصبح من من المستحيل زيادة الإستهلاك إلى ما لا نهاية . وعند نازاروف هذا يعني ( أن رأس المال على المستوى العالمي يتوقف عن تحقيق أي أرباح، وأصبح معدل الفائدة في أكبر الاقتصادات العالمية في اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة صفر أو بالسالب،)
كما أن البنوك المركزية في العالم تعمد إلى خفض أسعار الفائدة . وفي الغالب تكون هذه الخطوات المصرفية محاولة لتحفيز الإقتصاد. وهي الألية التي قاوم بها الفدرالي المركزي الأمركي أزمة إرتفاع أسعار النفط في سنوات إمتدت من 2011وحتى سنة 2020م . ومثلما أصبح سعر البترول أضعاف قيمته السابقة . قفز الدولار إلى الضعف في وجه بعض العملات . بينما قاومته عملات أخرى ولم يتمكن من هزيمتها إلا في السوق السوداء . ومنها على سبيل المثال الدينار الجزائري الذي لا يزال محتفظا بقوته أمام دولار اليوم . ولم يسمح له إلا بربح 25 بالمئة من سعره مقارنة بالعام 2010م . والدليل على صمود البنك المركزي الجزائري هو وجود الدولار في السوق السوداء الجزائرية بسعر يعادل ضعف سعره لدى البنك الجزائري .
ويتهم نازاروف العالم بالغش والإستفادة من الأموال بدون قيمة مادية أساسها منتوجات تغطي المطبوع من تريليونات الدولارات واليورو “غير المغطاة” وهي حسب قوله( التي تطبعها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لن تدخل قطاعات الإنتاج . لأن الاستثمار في الإنتاج يتسبب الآن في خسائر. لكن الإقتصاديات الغربية على الأقل تتلقى المال مجانا.)
ويصل الكاتب إلى خلاصة لما حسبته مخاوفه المتنامية ويسميه في سؤال أخر عنونت به الصحف مقاله وهو (ما هي الخطورة هنا؟) . ويلحظ نازاروف الخطأ الرأسمالي المهيمن على العالم . ويركز عليه فيقول أن الخطورة تكمن (في أن هذه الدولارات واليوروهات تأتي “من الهواء” ) وكلنا على علم أن هذا الكلام ليس هراء . ونعلم أيضا أن التركيز عليه لم يكن سابقا ومنذ وضعت الحرب البارة أوزاردها . لم يكن إلا تركيز العالم الثالث سيما العربي منه . حيث إنشغل المثقف العربي بالدفاع عن الأمة برأووس فيها مثل هذه الألات الحاسبة . واليوم ها هو ملل سياسي روسي يشترك مع بلاده في تركيع الغرب وإرغامه على قول الحق فيقول ( ولا يمكنها سوى أن تؤخر قليلا انهيار النظام المالي العالمي وهرم الديون، لكنها أبدا لن تمنعه. المفارقة أن البنوك المركزية للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يمكنها طباعة الدولار واليورو “من الهواء”، لكن حكومات لبنان ومصر والمملكة العربية السعودية وغيرها لا تستطيع ذلك، وحينما يبدأ انهيار النظام المالي العالمي، كما حدث في عام 2008، وحتى قبل شهر واحد من الآن، كانت البنوك جميعا مشلولة من فرط الهلع، لأن الطلب سينهار، ولن يكون الائتمان التجاري متاحا، فمن إين ستحصل الدول العربية على الدولارات واليوروهات لسداد ديونها؟)
ويواصل الكاتب تقديم ما يملك من أدلة ليثبت أن العالم يتعرض لآكبر عملية نصب في التاريخ . وهي عملية تجري على مستوى العالم أجمع . ولآن ملكية المدين سوف تتحول إلى الدائن . بدون أن ينتج الدائن شيء ما بالمقابل يأجر عنه فيربح أوراق مالية أو ما يعادلها من الذهب . وبالتالي يصبح غنيا بطبع الأوراق المالية بينما العلم الثالث مطالب بالعمل والإنتاج . وعندما ينتج قمحا أو شعيرا أو أي إنتاج أخر سيما في مجال الزراعة لا يربح شيء إلى من خلال تبادل تجاري داخلي . وكلما تضاعفت الغلال يسدد ثمنها من رأس المال المصكوك سابقا . ولا يطبع شيء من الربح للفقراء الذين تتحول أوراقهم النقدية في أيديهم إلى ما هي عليه فأوسهم من الصديد والتأكل .
ويضيف الكاتب إن مثل هذه العمليات في إطار الإحتيال (ويجري من خلالها تحول هائل في تركيز الملكية إلى أيدي عدد من البنوك العالمية، التي تتحكم في الاحتياطي الفدرالي الأمريكي. وهذه البنوك سوف تحصل على ذلك مجانا، بعد أن طبعت دولارات “من الهواء”. إنها عملية الاحتيال الأعظم في تاريخ البشرية.)
ودون الكاتب هذه المعلومة في مذيلة مقالته للإستغراب البناء .وليبني بها لبنة ثورة روسيا على ظلم الغرب الذي يفرض عليها حصارا إقتصاديا شبه شامل منذ 2014م. فيقول إنه (بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية عدم سداد ديونها، يقترح بعض الأعضاء البارزين في الكونغرس الأمريكي بالفعل عدم سداد ديون الولايات المتحدة للصين. ومع ذلك، فمن غير الممكن ألا يسدد العرب ديونهم لأمريكا.)
ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وفي رده عن سؤاله هذا يشير الكاتب إلى أنه لا يوافق على صفقة القرن . ويراها سبباً في إفلاس لبنان . وهما أزمتان يعطيان إجابة بليغة. ويذكر بشروط النقد الدولي الذي يصفه “بالمقرضون الدوليون” ومن شروطهم طرد حزب الله من حكومة لبنان . لضمان أي مساعدة للبنان. وهم يعرفون أن هذا سيوصل لبنان إلى حل واحد هو التطاحن الداخلي . ولن ينجو منه إلا إذا فكر الحزب بنظرة أخرى ، وغادر الحياة السياسية في لبنان . ليسمح للغرب بمساعدته للخلاص من الفوضى والكوارث الإقتصادية. ويرى الكاتب أيضا أن صفقة القرن( بمثابة زجاجة مياه لميت من العطش في قيظ الصحراء مقابل التنازل عن المقدسات الإسلامية وحق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم. لا أعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تشطب ديون العرب دون أن تحصل على شيء مقابل ذلك.)
ويشير الكاتب في ختام مقالته إلى أن العالم العربي ربما لن ينجو من هذه الورطة .التي أدخله فيها علاقته الإقتصادية والتجارية بالغرب الذي يتعامل معه وفق شروطه منذ القدم . والشروط هذه المرة تتمثل في إدخال العالم في سباق إنتاج مبني على الإقراض . الذي يتم تسديد فواتير صفقاته من عملات تطبع من الهواء . وهي الخطة التي ستزيد الغرب ثراء ، وستلزم العرب بالسكوت أمام عظمة أقوى جيوش العالم.