مرت ساعات اللهو سريعا، تراكمت فأصبحت عقدين من السنين، أواه من دقات قلبي الخائفة من مجهول ينتظرني، قد يفاجئني كشبح غامض، كالذي كان دائما وأبدا بطلا لحكايات جدتي في جوف ليالي الشتاء الطويلة، الٱن أواجه الأمر وحيدا، سيحملني القطار بعيدا، فتتسع المسافات بيني وبين محيطي الدافئ، على النقيض تلك المحطة الخالية من البشر، كان ينبغي أن أنتقي وقتا أفضل من هذا لبدء رحلتي الطويلة؛ تحالفت برودة الليل مع هواجسي لترهبني، مازال الوقت مبكرا عن حلول موعد القطار، كيف ستدور عقارب الساعة بثقلها مع رعونتي؟!
ما هذا الصوت؟! .. إنها دقات حذاء ذي كعبٍ عالٍ، يالَ ذهولي إنها إمرأة، تحجب بجسدها الضوء الوحيد بالمحطة، تبدو من بعيد كلوحة من السلويت، حدود قامتها تنبئ برشاقة قدها الفاتن، هذا الخصر النحيل يؤجج خيالي المفعم بشغف التجربة والتمرد، إنها تقترب نحوي أيعقل هذا؟! .. لا بأس فقد جلست على الأريكة القريبة من أريكتي، غريبة تلك المرأة وكأنها تمثال من الشمع، عنقها منتصب ووجهها يتخذ رؤية ثابتة أمامها لا يتحرك، لكن هذا لم يمنع وضوح ملامحها الدقيقة، وشعرها الذي زاد من شوقي وجنوني للمخاطرة، لكنها إمرأة غامضة تشعرني بالخوف، رغم فتنتها، سأناديها وأهمس لها _ نعم علها فرصتي الوحيدة قبل حضور آخرين _ اللحظة مهيأة تمامًا، رباه إنها استدارت نحوي تحاورني بابتسامة صاخبة، عيناها تفصح عن كلمات ماجنة ! .. انهض يا رجل _ ماذا تنتظر إنها تراودك ! .. لعلها إشارة لرحلة شيقة لم تدر بخلدك يوما، جبان أنت _ غير قادر على تَحـيُّن الفرص _ ستندم كثيرا إن لم تقتنص سعادتك القريبة.! يالَ حظي العسر فقد قطع صوت القطار حبال الأمل، ها هي نهضت ساخطة، يبدو أنه قطارها، ويحي إنها مازالت تنظر إليَّ تناديني بعينيها مرة أخرى،_ تظل مترددا أيها الأبله _ باقي لحظات وترحل بقبائل أنوثتها فلن تراها مرة أخرى_ يالَ شقائي، صعدت القطار، أصابتني نظرتها الساخرة بسهم نافذ، أقلع القطار؛ تلاشت رؤيته، بينما يربت على كتفي عامل المحطة مخاطبا : إنهض أيها العجوز بعكازك فلم يعد هناك موعد لقطار آخر.