امتدت حضارة الشعب المصري سبعة آلاف سنة ، هذا الشعب يتحدث منذ فجر التاريخ بلغة عصره فتترسبت على لسانه كلمات وعبارات من كل عصر، ولم تفلح اللغة الفصحى أن تنسيه تلك الكلمات التي يطعّم بها لغته ويستخدمها في أمثاله الشعبية منذ آلاف السنين، فظلت حتى يومنا حيّة ناطقة، فنجد شعبنا منذ عهد بناة الأهرام إلى يومنا هذا ما يزال يطلق على الطعام (مم) والشراب (إمبو) ويقول :(روح تف ونف بعيد) بنفس المعنى الذي أطلقه أجداده لتلك المسميات !
كما أنه مازال يقول على القذارة (كخة) ويطلب من الطفل أن يمشي : (تاتا تاتا) ويخوف طفله من (البعبع) المأخوذة من كلمة بوبو هي اسم لعفريت مصري في الأساطير القديمة يخيفون به الأطفال (النونو) والتي تعني الصغار ومازال المصري يصف العجوز بأنه (مكحكح) !
أما العبارات العامية والأمثال الشعبية المصرية فقد امتدت جذورها إلى عصر بناة الأهرام فنجد عبارة :
(جاك خيبة بالويبة )
فــ (الويبة) كلمة استخدمت منذ العهد القبطي وهي مقياس لكيل الحبوب وهو يساوي كيلتين، فيكون المعنى ” الخيبة المضاعفة !
وكنت قد أشرت في مقال سابق إلى أن أصول بعض الأمثال التي ترجع إلى عهد الفراعنة مثل (كوتوموتو يا حلوة يا بطة) و (ميت فل و14 ) و(سفخس عليك )التي تعني عليك سبع لعنات وأصلها سفخ إخص التي صارت تنطق كلمة واحدة تنطق اسفوخس !
ومنها كذلك :
(لا له في الثور ولا في الطحين)
وهذا المثل كما نعلم يشير إلى الشخص الذي لا علاقة له بالموضوع، ولكنه يحشر فيه نفسه ويقحم فيه أنفه، حيث تعود قصة هذا المثل إلى العصور القديمة، وبالأخص في أوقات الجفاف والتقشف التي عاشها الفلاح المصري، عندما كان الفقراء والمساكين يتجمعون على أبواب طواحين القمح حتى يعطف عليهم الأغنياء، وكانت الطواحين يجرها ثور كبير الحجم ليتحمل شغل الطاحونة، وعندما يضيق أصحاب الطواحين من الفقراء كانوا يطردونهم ويقولون : “لا لكم فى الثور ولا فى الطحين” حتى ينصرفوا لعدم وجود فائدة من وقوفهم.
ومن أمثالنا التي تعود ‘إلى العصر المملوكي نجد المثل :
(آخرة خدمة الغز علقة)
كلمة (الغز) هي اختصار لكلمة “أوغوز” و هي جماعة تنحدر من المماليك يمتاوزون بالغلظة وقد استخدمتهم السلطة في إجلاء الأهالي من أماكنهم، وأطلقت يدهم في التصرف في أموالهم فكانوا يسلبون الناس وينهبون ممتلكاتهم ويجعلون الأهالي تقوم بخدمتهم في مقابل كف أذاهم عنهم ، ولكنهم لم يفوا بوعودهم، بل كانوا في كثير من الأحيان يقومون بتعذيب وضرب الأهالي قبل رحيلهم، ومن هنا جاءت مقولة آخر خدمة الغز علقه !