المخرج / شريف جابر سالم —- يكتب
الإنتاج الفني هو قلب السينما النابض، به تُصنع الأحلام وتتحقق، وبدونه تتحول الشاشات إلى مرايا باهتة تعكس العجز والقهر بدل الإبداع. ولولا الإنتاج، لما وُلدت تلك الأفلام التي شكّلت وجدان المصريين والعرب لعقود طويلة. اليوم، تعاني السينما المصرية من أزمة إنتاجية خانقة جعلت كثيرًا من كبار الفنانين والفنانات يجلسون في بيوتهم بلا عمل، ومعهم الفنيون الكبار وأصحاب الخبرة الذين كانوا بالأمس عماد الصناعة. مشهد مؤلم حين نتذكر أن السينما المصرية كانت ذات يوم تزخر بعشرات الإنتاجات سنويًا، تفتح أبوابها لكل موهوب، وتحتضن التجارب الجديدة من كل أنحاء الوطن تحت أجنحة الكبار. في زمن مضى، كان الفنانون أنفسهم جزءًا من منظومة الإنتاج، يؤمنون بدورهم في دعم الصناعة واستمرارها. امثال صلاح ذو الفقار، كمال الشناوي، فريد شوقي، رشدي أباظة، نور الشريف، محمود ياسين، محمود المليجي، عبد السلام النابلسي، وصولا الي يسرا، ليلى علوي، إلهام شاهين… وغيرهم كثيرون ساهموا في إنتاج أفلامهم أو دعم إنتاجات غيرهم. بل إن بعض النجمات، مثل ماجدة ونادية الجندي، قدمن من إنتاجهن الخاص عددًا من الأفلام يفوق ما عُرض عليهن من شركات أخرى، إيمانًا منهن بأن الفنان الحقيقي لا ينتظر الفرصة بل يصنعها. وإذا عدنا إلى البدايات، سنجد أن الفنانة عزيزة أمير وآسيا وماري كويني وضعن اللبنات الأولى لصناعة السينما المصرية من خلال الإنتاج، إلى جانب أسماء لامعة من المنتجين الذين أسسوا لتاريخ عريق مثل رمسيس نجيب، حلمي رفلة، حسين حلمي المهندس، وزهير بكير وغيرهم. أما اليوم، فقد أصبحت زمام الإنتاج في يد فئة لا تنتمي حقًا إلى روح السينما، بقدر ما تنتمي إلى أغراض أخرى، تستخدم الشاشة لنشر قيم مشوهة وأفكار مسمومة وعداء خفي تجاه أوطاننا وهويتنا. فقدنا بذلك التوازن بين الفن والرسالة، بين الصناعة والإنسان. لهذا، أتمنى أن تعود رابطة المنتجين المحبين للسينما، أولئك الذين يرون فيها فناً ورسالة لا مجرد تجارة، وأن تستعيد السينما المصرية أنفاسها الأخيرة قبل أن ينطفئ الضوء تمامًا في قاعاتها.