صدق الله العظيم الذى قال فى محكم التنزيل وقوله الحق : ” وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين” وقال :
” ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك “
نعم ، إنه الرحمة المهداه والأسوة المسداه صل اللهم وسلم عليه ، كان مبعثه رحمة للعالمين فبمبعثه رفع الله العذاب عن الأرض ، فقد كانت السماء تتولى عذاب الكافرين والمعاندين وتأديبهم وهم أحياء على الأرض ولنا فى قصص السابقين العبرة كقصص ” قوم نوح وعاد وثمود فرعون ” وغيرهم ولما حانت بعثه الرسول الكريم الرحمة كان تكريم الله له وللبشرية فرفع الله العذاب عن الأرض وعن الكافرين والمعاندين فأمهلهم الحياة الدنيا كاملة ليكون العذاب فى الآخرة ، تكريما لمبعث حبيبه ورسوله صلوات ربى عليه
ولأن لنا فيه صلوات ربى عليه القدوة فلنتأمل معا تلك القصة وهذا الموقف العظيم لنبى الرحمة فى ثلاثة مشاهد
وهو طفل صغير يوارى جسد أمه التراب ، وحين مر بالأبواء وقبر أمه قبل فتح مكة ، وبعد فتح مكة حين قابل السيدة حليمة
(وقوف النبى عند قبرأمه السيدة آمنة بنت وهب بالابواء )..
السيدة امنة بنت وهب الزهرية ام النبي ﷺ توفيت شابة في مقتبل العمر لايزيد عن خمس وعشرين سنة ودفنت فوق جبل او تل بالابواء حتى يحفظ قبرها من جرف السيول .. ” المشهد الأول “
قالت أم أيمن : هيا يامحمد .. عاوني نحفر قبر أمك .. والنبي عليه الصلاة والسلام يحفر ويبكي وأم أيمن تبكي وتصد بوجه النبي عليه الصلاة والسلام لاتريدُ أن ينظر إلى قبرِ أمه .. وضعوا آمنة في القبر وحثَّوا عليها التراب وقامت أم أيمن ممسكةً يد النبي عليه الصلاة والسلام قاصدةً الذهاب
فيقول النبي عليه الصلاة والسلام وهو يبكي : “أمي أمي أي لنأخذ أمي معنا !! لانتركها وحدها “
فتبكي أم أيمن من بكائه وكلام ذلك الطفل الذي جاء إلى الدنيا فاقدًا أباه وهو الآن يتيم للمرة الثانية بفقدِ أمه ..” المشهد الثانى “
وبعد خمسٍ وخمسين سنة من تلك الحادثة والنبي عليه الصلاة والسلام يعود إلى مكة فاتحًا وراءهُ عشرات الآلاف من الصحابة يمر بمنطقة الأبواء ويعود شريط الذكريات المؤلم فيأمرُ الصحابة رضوان الله عليهم بالجلوس
وبدأَ رسول الله عليه الصلاة والسلام ينظر في المقابر ثم تخطى القبور كأنه يبحث عن قبر حتى انتهى إلى قبر أمه — فناجاه طويلا ثم ارتفع نحيب رسول الله عليه الصلاة والسلام فبدأ يبكي بكاءاً شديداً ..
فلما سمع الصحابة رضوان الله عليهم بكوا لبكاء رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم عاد رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو حزين يبكي فتلقاه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال :
” يارسول الله .. ما الذي أبكاك لقد أبكانا وأفزعنا ؟ “
قال : ” إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب أمي وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني “
فبكى النبي عليه الصلاة والسلام وبكوا الصحابة جميعًا حتى لم يُرَ يومًا بكوا فيه أكثرَ من ذلك اليوم ..” المشهد الثالث ”
فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكة في ذلك اليوم ونصره الله نصرًا مؤزرا وبين زحامِ الناس هذا يبايع وهذا يعاهد وهذا يبارك
رأى النبي عليه الصلاة والسلام عجوزًا طاعنةً في السن تمشي من بعيد وتقترب إليه حتى أصبحت عنده ثم بدأت تلك العجوز تنظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام لم تعد ترى جيد تتأمل في وجهه والنبي عليه الصلاة والسلام لايعرفها فقال :
“من هذه قالوا : هذه حليمة السعيدة يارسول الله .. فبكى رسول الله عليه الصلاة والسلام وحضنها ومسح على رأسها وقبل يدها فاستغربوا الصحابة رضوان الله عليهم فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام :
“ما بكم ؟ هذه أمي .. أمي حليمة .. فخلع رداءهُ وفرشه لها وجلس معها والنَّاس حوله ” فقال :
” دعوني دعوني أنا وأمي ولو لساعة وكأنه يقول دعوني أحدِّثُها ماذا حصل بي في تلك السنين وأشكو لها دعوني أبكي أمامها دون خجل مثلما كنت أبكي عندما كنت رضيع ..”
صل اللهم وسلم وبارك على من أكرمتنا فاخترته لنا رسولا وحبيبا وشفيعا فاللهم اسألك أن تصلى وتسلم عليه
جزاكم اللهم عنا يارسولنا خير الجزاء — واللهم اسألك بحق حبك لرسولك أن تغفر لأمهاتنا وترحمهن رحمة واسعة يتعجب منها أهل السموات والأرض